فن التغافل: اتعلم ترمي عليك و طنش

هل يمكن ألا نخطئ في حق أي شخص ابدا؟ هل يمكن ان في كل علاقاتنا لم نقصر و لم نظلم الطرف الآخر؟ ولو بشيء بسيط، كلمة جارحة منا قلناها بدون قصد، إهمال بفترة قصيرة بسبب انشغالات الحياة، اختلاف في الاراء… هل معقول اننا كبشر يجب ألا نخطئ في حق من حولنا يعني من نحب. تخيلوا ان كل خطأ تفعله لشخص آخر، أم، أب، صديق، زوج، ابن.. صغيرا كان أو كبيرا سيحاسبك هذا الشخص عليه و نتخاصم لفترة. 

السبب الرئيسي في توتر او فشل الكثير من العلاقات هو توقع الكمال من الطرف الاخر، توقع مثلا ان امك لا تتخذ اي قرارات خاطئة فقط لانها امك و تنسى انها بشر. توقع ان خطيبك او زوجك لن يخطئ ابدا في حقك و ان يكون مرسوم تماما كما تريده ان يكون و ان اخطا يوما ما فهو سيء و لا يحبك…

الأسبوع الماضي صعدت في الباص هنا في تركيا فسالت السائق اذا سيمر بمكان معين ام لا، و بما ان تركيتي لا تزال مبتدئة لم افهم الاجابة، فهو لم يجب بنعم او لا و انما قال جملة طويلة و بسرعة فلم افهم! فقلت له بالتركية انني لم افهم، هنا عرف انني اجنبية فصار يصرخ علي! نعم هناك بعض الاتراك عنصريين مع الاسف. انزعجت كثيرا لاني ام اتمكن من الرد على وقاحته بالتركية و احسست انني كنت عاجزة عن الدفاع عن نفسي. نزلت من الباص غاضبة جدا و بعدها فكرت للحظة: قلت لنفسي هل ساترك شخص جاهل عنصري لا اعرفه حتى يفسد علي يومي و يزعجني؟ هل هذا معقول؟ و هنا تذكرت فن التغافل.

التغافل هو انك ترى الخطا و لكن تتجاوز عنه كانك لا تراه. التغافل عن نقائص و اغلاط الناس هو الحل للكثير من مشاكلنا. عندما فقدنا فن التغافل في مجتمعنا انتشرت المشاكل و الخلافات بين الناس و اصبح كل واحد فينا ينتظر زلة الاخر ليحاسبه عليها. التغافل خاصة عن المواقف المزعجة اليومية ممن حولنا الي اغلبها تكون بسيطة، بنغافلك عنها فانت تريح تفكيرك طول اليوم فتتجنب تعكر مزاجك و منه يمر اليوم بسلام اكثر.

اعلم ان الكثيرون سيقولون لي ان الكلام سهل و لكن تطبيقه في حياتنا اليومية صعب جدا خاصة اننا نعيش في توتر و قلق مستمر. انا لم اقل العكس و لم اقل ان الامر سهل و لكنها مهارة يمكن ان نتعلمها مع الوقت و لا يجب ان نتقنها 100% و لكن ان استطعنا التغافل عن اخطاء الناس و لو ب 10% فهذا انجاز و بعدها يمكن ان نطور من النسبة مع زيادة الوعي.

الرسول صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عمن يحرَّم على النار؟ فقال: «الهيِّن الليِّن، السهل القريب»، بمعنى ان الإنسان عندما يكون لين و يتجاوز اخطاء من حوله فهذا من صفات الصالحين الذي سينجون من النار. و لكن اكيد ان التغافل لا يكون في كل المواقف ففي بعض الاحيان علينا بالعكس الا نتجاهل بعض الاشياء و نحاول تغييرها من باب النهي عن المنكر و لكن في اغلب المواقف خاصة مع المقربين التغافل و تجاوز زلاتهم حكمة فكلنا نخطئ و نحتاج الى من يتجاوز عن اخطائنا ايضا.

4 خطوات قد تساعدنا في اكتساب مهارة التغافل:

ادراك اننا مختلفون:

بمعنى اننا مهما حاولنا لن نجعل الطرف الاخر يشبهنا و يفهم كل ما يزعجنا. ممكن ما هو جارح لنا هو عادي عنده. الشخص الذي يثق في نفسه حقا لا يخاف من الاختلاف. قوله تعالى :

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)

ادراك اننا ناقصون

لاننا بشر و الكمال لله. فاخطاء الناس و تقصيرهم سيصبح عادي بالنسبة لك اذا غيرت نظرتك و ردة فعلك عن هذه النواقص.

اختر معاركك

النجاح ليس ان تاخذ كل المعارك و تفوز بها لان ليست كل المعارك مهمة بل في بعض الاحيان من الحكمة تجنب بعضها لاستمرار العلاقة و ربما تغافلك سيحل المشكلة بدون ان تشعر. كان عندي صديقة دائما تتاخر عليا انتظرها كل صباح و تاتي متاخرة و هذا الامر كان يزعجني كثيرا لانني منظبطة في الوقت و كنت اريد ان كل الناس يكونوا مثلي غير ان هذا مستحيل، و في يوم من الايام فهمت ان انزعاجي و تعصبي عليها في كل مرة لم و لن يغير من الامر شيئا بل علي تقبل هذا الامر و التغافل عنه و عدم محاولة تغييرها لانها ليست انا، فبدات اتاقلم مع الوضع و لانني اعرف انها ستتاخر آخذ احتياطاتي من الاول فلا انزعج و لا افسد مزاجي.

التركيز على إيجابيات ومحاسن الناس

اخر نقطة مهمة هو التركيز على ايجابات و محاسن من حولنا لننا كذلك عندنا الكثير من العيوب و نحب ان يتغافل الاخرون عن اخطائنا و يركزوا على ايجابياتنا. يقول مارك ماسون في كتاب فن اللامبالاة :

عندما تكون لنا قيم سيئة او معايير سيئة نضعها لانفسنا و للاخرين فاننا نهتم اهتماما زائدا بأشياء لا اهمية لها… و اما عندما نختار قيما افضل فاننا نكون قادرين على توجيه اهتماماتنا الى اشياء افضل.

امل انكم استفدتم من هذا المقال، فن التغافل هو هديتي لكم للسنة الجديدة مهارة جميلة جدا و راقية سمعت عنها لاول مرة من الاستاذ احمد الشقيري في كتابه أربعون. عندما بحثت عن فن التغافل وجدت أنه مهارة لازم كلنا نتعلمها لانها تسهل حياتنا كثيرا و تحسن علاقاتنا.

اتمنى لكم حياة اكثر وعيا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *